المواد السامة الموجودة طبيعياً في الأطعمة
د. طه عبدالله قمصاني
تحتوي الأطعمة على عناصر غذائية أساسية للإنسان، إضافة إلى ذلك فإنها تحتوي على مركبات كيماوية سامة وضارة بالصحة وبكميات متفاوتة، وهذه المركبات لم تتم إضافتها للطعام في أي مرحلة من مراحل الإنتاج أو التصنيع، فهي موجودة طبيعياً. وتختلف هذه المركبات في تركيبها وصفاتها وتأثيراها السام. ومن هنا يتضح أهمية مبدأي التوسط والتنوع في غذاء الإنسان.فالتوسط هو تناول الكميات المناسبة للإنسان بدون إفراط وبالتالي لن يتم التسمم في حالة وجود هذه المركبات لها تأثيرات صحية نافعة إذا تناولت عند جرعات مناسبة. أما مبدأ التنوع فهي تنويع المصدر الغذائي، فمثلاً لسد احتياجات الإنسان من البروتين، يجب تناول كميات متنوعة من اللحوم والأسماك والطيور والبقوليات على فترات زمنية مختلفة، وليس الاعتماد على مصدر واحد كاللحوم مثلاً، فلو كان هنالك مركبات سامة في إحدى هذه المصادر فنت تتراكم في أجسامنا إذا نوعنا هذه المصادر. كما أن الحس السليم مهم لمعرفة ماذا يؤكل وماذا لا يؤكل، ماذا يؤكل مطبوخاً وماذا يؤكل نيئاً.. وهكذا.
ويمكن تقسيم المركبات الكيماوية السامة حسب تواجدها في الأطعمة إلى المجاميع التالية:
أ ـ قلويدات البيورين Purine alkaloids
القلويدات هي مركبات عضوية موجودة طبيعياً على صورة قواعد نيتروجينية من أصل نباتي أما البيورين فهي مركبات تنتج حمض النيوكليك وتتواجد قلويدات البيورين في المشروبات مثل القهوة، الشاي، مشروبات الأعشاب المختلفة، الكولا، الكاكاو والشيكولاتة، وكذلك في كثير من المستحضرات الأدوية. أهم هذه القلويدات هو الكافيين الذي يوجد في حوالي 60 جنساً من النباتات.
في الجرعات الصغيرة (أقل من 3 ملجم/ اليوم) يعمل الكافيين كمنشط للجهاز العصبي المركزي ومدر للبول، أما الجرعات العالية فقد تسبب تأثيرات هرمونية عصبية. والجرعات العالية جداً قد تسبب تشوهات خلقية في أجنة الحيوانات.
يرجع التأثير المنشط السريع للكافيين إلى سرعة امتصاصه، حيث يصل إلى أعلى تركيز له في الدم بعد نصف ساعة فقط من تناول المشروب المحتوي عليه. يصل الكافيين بسهولة إلى جميع الأنسجة، ويؤثر على كثير من الأجهزة الحيوية. وتختلف درجة مقاومة الأفراد للكافيين باختلاف الأفراد فنلاحظ أن بعضهم لا يتأثر بالكافيين. بينما بعض منهم حساس جداً له.
ب ـ قلويدات الكيوينوليزيدين Quinolizidine
قلويدات الكيوينوليزيدين توجد في الترمس، وهذه القلويدات المرة والسامة توجد في كل من النبات والبذور.
والتأثير السام يتركز في القدرة على إحداث: غثيان، خلل في النفس، اضطراب في الرؤيا، عرق غزير، ضعف مستمر أو إغماء. ونظراً لأن قلويدات الترمس قابلة للذوبان في الماء، فيمكن إزالتها عن طريق النقع والغليان وتغيير مياه النقع والغلي.
جـ ـ الببرين والقلويدات المرتبطة Piperine
الببرين مركب شديد الحرافة (الحرارة) وقد تم عزله من ثمار الفلفل الأسود والأنواع الأخرى من الفلفل. ويعتبر الببرين منبهاً للجهاز العصبي المركزي، ويحتوي على نشاطية ضعيفة مضادة للحمى ونشاط تطفيري ضعيف (القدرة على تغيير كيمياء المادة الوراثية). تسبب التركيزات المرتفعة أضراراً لأنسجة الرئة وتخفيض من ضغط الدم ومعدل التنفس. ويتفاعل الببرين مع النيتريت مكوناً نيتروزوامين وهي مادة مسرطنة.
د ـ القلويدات الجليكوسيدية Glycoalkaloids
عبارة عن سموم طبيعية توجد في الخضر الباذنجانية مثل البطاطس والطماطم والباذنجان.
1 ـ القلويدات الجليكوسيدية في البطاطس
هي مواد سامة توجد طبيعياً في البطاطس ويطلق عليها السولانندين solanindine وهي مادة ثابتة ضد الحرارة. وهذا التأثير السام ينتج عن طريق تثبيطه لبعض الإنزيمات في الدم والمخ، أو نتيجة لحدوث أضراراً في الأغشية وخصوصاً أغشية القناة الهضمية، وقد يحدث نزيف وتحلل لخلايا الدم والحمراء نتيجة التعرض لجرعات مرتفعة من هذه المادة السامة. وقد وجد أن تركيز السولانندين في معظم الأصناف التجارية من البطاطس لا تزيد عن 200 ملجم / كجم وهو مستوى منخفض جداً. وقد وجد أن تعريض البطاطس إلى الضوء يؤدي إلى ظهور صبغات خضراء نتيجة لتكوين الكلوروفيل وهذه تكون مصحوبة بمستويات مرتفعة من السولانندين، إلا أن إزالة قشور البطاطس يؤدي إلى فقد جزء كبير من السولانندين.
2 ـ القلويدات الجليكوسيدية في الطماطم
التوماتين tomatime مادة سامة توجد في أجزاء مختلفة من نبات الطماطم وهي تعطي صفات مثبطة للميكروبات وخصوصاً الفطريات. وهي ظاهرة مؤقتة في الثمار الحديثة وتختفي بالنضج. يرجع التأثير السام لهذا المركب إلى ارتباطه باسترولات الأغشية مثل الكوليسترول وبالتالي يؤدي إلى عدم ثبات لبيدات الأغشية.
3 ـ القلويدات الجليكوسيدية في الباذنجان
تسمى لوبيمين Lubimin والسولاسودين وهي تسبب تشوهات خلقية في أجنة القرود عند تركيزات عالية.
هـ ـ الصابونيات Saponins
هي مجموعة من جليكوسيدات غير متجانسة وتتميز بتكوين رغوة من الماء. وتوجد في النبات عادة وفي عدد من الحيوانات البحرية.
تتميز الصابونيات بنشاط سطحي قوي، وعند تفاعلها مع الأنسجة المخاطية لغشاء الخلايا تسبب تغيراً في النفاذية أو فقد الإنزيمات المرتبطة بغشاء الخلية أو مع مكونات الأغشية مثل الكوليسترول. الجرعات المرتفعة تسبب اتهابات وأضراراً في الأمعاء ومن خلال الدم الحمراء، فشل الجهاز التنفسي، تشنجات وغيبوبة.
تتواجد في فول الصويا والفاصوليات الكلوية، واللوبيا الرفيعة، فاصوليا ليما، الفول، العدس، الحمص، والفول السوداني. كما توجد البنجر، الشاي، السبانخ، الثوم، البصل، الاسبرجلس، البروكلي، البطاطا الحلوة، وبذور الطماطم، والعرقسوس.
وقد وجد أن الطهو والتغليب له تأثير ضئيل على محتوى الصابونين في الفول والفاصوليا، ولكن النقع يسبب فقداً كبيراً في محتواه من الصابونين. تضاف الصابونيات النقية أو المستخلصات المركزة كمواد مسببة للرغوة، أو مثبتات للمستحلب أو كمضادات للأكسدة في صناعة الأغذية والمشروبات.
و ـ السيانوجينات Cyanogens
أو المواد المولدة للسيانيد وهي عبارة عن مركبات قادرة على إنتاج سيانيد الهيدروجين نتيجة لتأثير حموضة المعدة أو لنشاطية بعض الإنزيمات النباتية. عرفت الصفات السمية للنباتات المحتيوة على السيانوجينات منذ 160 سنة تقريباً. حيث كان يتم إعدام المذنبين بإعطائهم أنوبة الخوخ المحتوية عليه. يعزى التأثير السام الحاد إلى قدرته على إيقاف التنفس نتيجة لتثبيط إنزيم السيتوكروم أو كسيديز في السلسلة التنفسية. يرتبط السيانيد مع كل من الصور المؤكسدة والمختزلة لهذا الإنزيم. ويتراوح الحد الأدنى للجرعة المميتة للإنسان من 0.5 إلى 3.5 ملجم/ كجم من وزن الجسم، أي في حدود 35 إلى 245 ملجم للشخص البالغ الذي يزن 70 كجم. يمتص السيانيد سريعاً في الجهاز الهضمي، وتشمل الأعراض بعد حدوث التسمم بالجرعة المميتة: فقداً لحساسية الأطراف، اضطراباً عقلياً، ذهولاً، ازرقاق البشرة نتيجة نقص الأكسجين، تشنجات وغيبوبة نهائية. تظهر أعراض الجرعة غير المميتة في صورة صداع، الإحساس بتصلب الحلق والصدر، سرعة ضربات القلب وضعف العضلات. عند تناول جرعة غير مميتة، فإن السيانيد يتم التخلص منه عن طريق تبادل الغازات في عملية التنفس، وتعتمد شدة وفترة التسمم على الجرعة والحالة الطبيعية للفرد. من ضمن الأمراض المنتشرة في المناطق الاستوائية، اضطراب الأعصاب نتيجة تناول منتجات غذائية من الكاسافا Cassaba (غذاء ثابت لكثير من البلدان في المناطق الاستوائية، على الرغم من أنه يعتبر غذاء فقيراً في البروتين) الغنية بالسيانيد.
إن السيانيد والسيانوجينات، كما في السموم الأخرى تستخدم في صناعة الأدوية. ويعتقد الآن أن مشتقات السيانيد لها نشاط مثبط للسرطان، حيث وجد أن السيانيدات المتكونة في الأنسجة تهاجم الخاليا السرطانية نتيجة لانخفاض نشاطية إنزيم الرودنيز hodanese الذي يتميز بنشاط كافٍ في الخلايا الطبيعية.
يتواجد السيانيد في المملكة النباتية، ويقدر عدد مركبات السيانيد في النبات بحوالي 1000 مركب في 500 جنس يمثلون 100 عائلة. وتعتبر الكاسافا من أهم النباتات المحتوية على مشتقات السيانيد المستخدمة في تغذية الإنسان، كما يتواجد في الفاصوليا وخصوصاً فاصوليا ليما، والبسلة وفول الصويا. كما يوجد في اللوز المر وبذور الخوخ، المشمش، البرقوق، الكريز، وكذلك التفاح، والكمثرى، ويتركز السيانيد في البذور وفي لب الفواكه غير الناضجة.
ز ـ الجليكوسينولات Glucosinolates
وهي عبارة عن أسترات كبريتية وتتواجد في معظم النباتات التي تنتمي للعائلة الصليبة (عائلة نباتية تتخذ أنصال التويجيات الأربع وضعاً متعامداً) حيث توجد في البذور والأوراق والسيقان والجذور. وتوجد بتركيزات عالية في النباتات النامية والبذور. وتتواجد في فول الصويا والصنوبر، الفول السوداني والفواكه والخضروات التي تشمل: البروكلي، الكرنب بأنواعه، القرنبيط، البروكلي، المستردات البيضاء والسوداء والبنية، الفت والفجل، كما يحتوي الخوخ والكمثرى والفراولة على هذه المركبات. وجد أن الطهو والتجميد يقلل من محتوى الخضروات من هذه المكونات. وجد أيضاً أن تناول هذه الخضروات بكميات كبيرة مع تناول اليود بكميات قليلة يؤدي إلى تضخم الغدة الدرقية بشدة. كما أن استخدام لبن فول الصويا في تغذية الأطفال حديثي الولادة قد يسبب مشكلات صحية إذا كان اليود لا يدخل في تركيب هذه الوجبة. يوجد أكثر من 100 نوع من الجليكوسينولات يتواجد معظمها في خضروات العائلة الصليبية وفي بذور الشلجم.
تقوم الجلكوسينولات بعدة أنشطة بيولوجية مثل دورها كمبيد للحشرات، مثبط للبكتيريا ومثبط للفطريات. لا تعتبر الجليكنوسينولات في حد ذاتها سامة للإنسان، إلا أن نواتج تحللها تسبب انخفاضاً في نشاط الغدة الدرقية، مما يؤدي إلى اإصابة بمرض الجويتر، كما أن لها بعض الفوائد حيث تتميز بنشاط مضاد للسرطان. للتخلص من المواد السامة يجب معاملتها بالحرارة أو الكيماويات أو استخلاصها بالماء أو مذيبات قطبية.
ح ـ الفيولات النباتية Phenols
وهي نواتج أيضية تتراكم في خلايا معينة من النبات، وتتحول إلى اللون البني عند تعرضها للجو نتيجة للتأكسد. تتواجد في جميع الأغذية النباتية تقريباً، ولكن بتركيزات منخفضة جداً. ولا تحتوي الأغذية الحيوانية الفينولية على مجموعة هيدروكسيل واحدة فقط، يمكن أن تستبدل فيها ذرة الهيدروجين.
إن عدداً قليلاً من الفيولات لها القدرة على تكوين أورام سرطانية وذلك بالتركيزات المتناولة، مثل السافرول safrol والكيومارين Counarin التي تكون سامة أو مسرطنة عند أي مستوى، لذلك فقد تم حظر استخدامها كمواد مضافة للأغذية، بينما تحت ظروف تجريبية أخرى يكون لها نشاط مثبط للأورام السرطانية. البعض الآخر من الفينولات يدخل في صناعة كثير من الأدوية، حيث تستخدم كمضادات طبيعية للأكسدة للوقاية من السرطان المستحث بالضوء كسرطان الجلد.
بعض الفينولات قد يكون لها تأثير مفيد، وأيضاً تأثير سام طبقاً لتركيز الجرعة المتناولة. فمثلاً يسبب الديكموريل dicoumarol (وهو أحد الفينولات النباتية) نزيفاً في الماشية، ويستخدم كسم الفئران، ولكن من ناحية أخرى يستخدم كأدوية مفيدة لمنع التجلط غير المرغوب في حالات الأوعية الدموية والمخ.
يستخدم الجوسيبول gossypol في الصين كمادة مانعة للحمل للإناث، وهو عبارة عن مركب فينولي سام يوجد في بذور القطن، ويمثل خطورة واضحة على أغذية الإنسان والحيوان، فهو يقلل من الاستفادة من الحديد، ويتسبب في : فقد الشهية، فقد الوزن، إسهال، أنيميا، خفض للخصوبة، استسقاء الرئةن هبوط في الدورة الدموية، ونزيف في الأمعاء الدقيقة والكبد والمعدة.